"إنما ينهض المسلمون بمقتضيات إيمانهم بالله ورسوله إذا كانت لهم قوة ، وإذا كانت لهم جماعة منظمة تفكر وتدبر وتتشاور وتتآثر ، وتنهض لجلب المصلحة ولدفع المضرة ، متساندة في العمل عن فكر وعزيمة".
عبد الحميد ابن باديس
الإيمان بالله ورسوله ..
فمن أسس النهضة مقتضيات الايمان بالله ورسوله ويعني بها : الإيمان بالله أي أن نصدّق كل ما يخبرنا الله عنه بما فيهم تصديق ما أخبرنا عن الرسل وتصديق المؤيدين بتأييد من عنده بمعجزات مادية ومعنوية كما هي الحال على سيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلم بإعجاز بلاغي تشريعي، فهؤلاء الأنبياء جاءوا بالآيات والبيّنات فلابد بديهة أن يكونوا رسله ومن عند الله ، فقد قال عنهم : ﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ﴾ [ الكهف - الآية 51]
فما كان الله ليتّخذ المضلين الضالين أولياء ومبلّغين لرسالاته .. وما كان ليدعمهم بمعجزات وآيات ليضل عباده .. وما كان للضلال مؤيدا.
القوّة ..
تكون بالفرد والتراب والوقت .. فعن الأولى تكون قوّة المسلمين بفكرهم وبعملهم وبمالهم .. وهي منوطة بتوجيه الفرد إلى نواح ثلاث : توجيه الثقافة والعمل ورأس المال .. فالثقافة هي ذلك الدم في جسم المجتمع يغذي حضارته ويحمل أفكار " النخبة " كما يحمل أفكار " العامة " وكل هذه الأفكار منسجمة في سائل واحد من الاستعدادات المتشابهة والاتجاهات الموحدة والأذواق المتناسبة ... أين ينحصر برنامجها التربوي في أربعة عناصر يتخذ منها الشعب دساتيراً لحياته المثقفة هي :
أولا : دستور الأخلاق لتكوين الصلات الإجتماعية.
ثانيا : دستور الجمال لتكوين الأذواق .
ثالثا : منطق عملي لتحديد أشكال النشاط العام.
رابعا : الفن التطبيقي الموائم لكل نوع من أنواع المجتمع أو ( الصناعة ) حسب تعبير ابن خلدون .
أمّا عن توجيه العمل ، والذي يكاد يكون لا وجود له في البلاد الإسلامية ، يختصر في الحديث الشريف : " ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده " .. والعمل وحده هو الذي يخط مصير الأشياء في الإطار الاجتماعي ورغم أنه ليس عنصرا أساسيا كالرجل والوقت والتراب إلا أنه يتولد منهم .
توجيه المال لا يتصل بالكم بل بالكيف ومنه لابد أن تصبح كل قطعة مالية متحركة متنقلة تخلق معها العمل والنشاط أما الكم فيأتي في الدور الثاني .. دور التوسع والشمول. فالقضية إنما هي قضية منهاج يحدد تخطيطا مناسبا تبنى عليه الحياة الاقتصادية ولا يكون فيه مكان لتركز رؤوس الأموال في أيدي فئة قليلة تستغل السواد الأكبر من الشعب وإنما تتوفر فيها مساهمة من الشعب مهما كان فقيرا وبذلك يتم التعادل بين طبقات المجتمع وتنسجم مصلحة الجماعة مع مصلحة الفرد .
الجماعة ..
يقول البنّا حسن : "إن الإسلام ثورة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، يزلزل الأوضاع الفاسدة، ويحطم صروح البغي والعدوان الشامخة، ويجدد معالم الحياة وأوضاعها، ويقيمها على أثبت الدعائم... إنه ثورة على الجهل... وثورة على الظلم بكل معانيه: ظلم الحكام للمحكوم... وظلم الغني للفقير... وظلم القوي للضعيف... وثورة على الضعف بكل مظاهره ونواحيه: ضعف النفوس بالشح والإثم، وضعف الرؤوس بالغباء والعقم، وضعف الأبدان بالشهوات والسقم".فتجديد دنيا المسلمين يكون بتجديد دين الإسلام والجماعة المبنية على منهج الإصلاح بالإسلام هي المرادة وهي التي يمكن أن تنهض بهذه البلاد .. وتصاعد التحديات ، وثغرات الأخلاق ، وعموم البلوى ، إنما يتطلب الإنتقال بالقضية من إطار الصفوة والنخبة إلى الدائرة التي تشترك فيها الأمّة مع النخبة ، وإلى المستوى الذي تسهم فيه الجماهير مع الصفوة في مواجهة التحديات .. فلا يبني مستقبل الأمّة إلا الأمّة .
مراجع :
شروط النهضة - مالك بن نبي